الجزائر - 02- Origines


السلوك الحضاري
كيفية إكتساب السلوك الحضاري
من أهمّ المؤسسات التي تربّي الفرد على السلوك الحضاري نجد: الأسرة، المدرسة، وسائل الإعلام.

تتلقّى الأسرة الطفل كائنا طبيعيا يميل إلى الحيوانية والهمجية ويرفض التأطير فتأخذ في صقله وتثقيفه بتعليمه جملة من الواجبات. وهي بذلك تعدّه لكي يكون فردا صالحا في المجتمع.

ثم ينتقل بعد ذلك إلى المدرسة فتواصل المدرسة في ترسيخ تلك المبادئ الأخلاقية المكتسبة.وتسعى وسائل الإعلام هي أيضا إلى ترسيخ الحسّ المدني وإيجاد عادات سلوكية حضارية كالتثقيف الصحّي والتضامن ونجدة المنكوب في حوادث الطرقات أو الحرائق وكذلك دعوتهم إلى التصرّف الحكيم في الموارد والطاقة.

لكن هذه المؤسسات يقتصر دورها على النصح والإرشاد فقط وهناك من لا يعمل بها ولا تؤثر فيه هذه النصائح. من هنا تتدخل أجهزة أخرى تُجبره على السلوك الحضاري.


هناك جملة من السّلط التي تجبر الفرد على السلوك الحضاري تلزم الفرد بالسلوك الاخلاقي الحضاري وتتوعّده بالعقاب إذا لم يقم بذلك.

من بين هذه السلط:
أ-السلطة الدينية: إن الأديان السماوية تلزم كلّ فرد بالقيام بجملة من الواجبات والسلوكات التي يمكن إعتبارها حضارية كالتراحم والتعاون ويهدد الله الكافر بحرقه في الآخرة وعذابه في الدنيا.

ب-السلطة الإجتماعية: في كلّ مجتمع توجد عادات وتقاليد وأعراف تهمّ طرق الزواج والتحية والترحيب بالضيف...فمتى اتّبع الفرد الأنماط السلوكية في مجتمعه عُدّ سلوكه حضاريا وإن خالفه عدّ شاذا.

ج-السلطة السياسية: من أجل المحافظة على النظام الإجتماعي، تقف الدولة بالمرصاد للمجرمين والمنحرفين وتستند في إنجاز مهمتها تلك على الأجهزة الأمنية: الشرطة، الحرس الوطني، المحاكم ...ولولا الدولة لإنهارت الحضارة وتفشّت الهمجية.

لكن مهما كانت سلطة الدولة ومهما كانت قوّتها فإنّها لا تستطيع منع حصول الجرائم والسلوكات اللاحضارية. فالدولة تجتهد في منع وقوع الإنحراف ولكن تدخّلها يظهر جليّا بعد الإنحراف.

قد يعاقب المنحرف بعد فعلته، ولكن المعضلة أننا لا نستطيع أن نمنعه قبل الإقدام عليها. فما هو السبيل لحصول السلوك الحضاري؟ ما هو العامل المؤسس للسلوك الحضاري؟

أن نطيع القانون أو الواجب معناه أننا مقتنعون به فنحن نسانده ونعترف به ونمتثل له. وهكذا لا نشعر أنّنا نخضع لأمر خارجي. عكس ذلك، فإن الشخص الذي يرى أنّه يخضع للقانون هو شخص لا يؤمن بضرورة القوانين ويرى فيها سلطة قاهرة.إذًا كلّ شخص له سلوك حضاري يعتقد أنّه يطيع القانون ولا يخضع له. طبعا إذا كانت السلطة جائرة والقوانين ظالمة، فإن السلوك الحضاري يقتضي التمرّد والنضال.

ليس عيبا أن يسعى الإنسان لتحقيق مصالحه وقضاء شؤونه ولكن يجد نفسه أحيانا مضطرّا للتضحية من أجل الغير، كمساعدة أعمى على قطع الطريق أو إنقاذ غريق أو الدفاع عن الوطن...إن السلوك الحضاري يتناقض مع الأنانية. هو سلوك منْفتحٌ على الغير، يؤمن أن الذات الفردية لا قيمة لها خارج المجتمع.

إن التربية هي المعرفة التي نكتسبها والتي من شأنها أن تؤثر على سلوكنا. لذلك تُوجّه التربية عادة للأطفال حتّى يكون سلوكُهم مستقيما. ويتصرّف الكهول على أنّهم مربّون. كلّ شخص يتصرّف على أساس أنّه مُربِّي، أي يسعى دائما إلى تثقيف غيره لاشك يتصرّف تصرّفا حضاريا.

طبعا لا يمكن لأي شخص أن يربّي غيره ما لم يمتثل هو نفسه لما يُطالب الغير به. كما يؤمن هذا الشخص المربّي أن التربية لا توجّه فقط للصبيان. فالإنسان يتربّى طوال حياته كما أنه يتربّى في نفس الوقت الذي يُربّى فيه.

أن كلّ إنسانٍ مهما كان مستواه الحضاري ومهما كانت بيئته هو متحضّر وله سلوك حضاري. هذا من الناحية النظرية، لكن من الناحية الواقعية نَطّلِع في بعض الأحيان على تصرّفاتٍ بشريةٍ يصعب اعتبارها سلوكات حضارية كالسّلوكات اللاأخلاقية وهذا السلوك اللاأخلاقي اللاّحضاري لا يُوجد فقط على مستوى فرْدي، فقد يوجد أيضا على مستوى جماعي

يبدو أن أفضل سبيل لتحديد حقيقة السلوك الحضاري هو أن نتجاوز ما هو حاصل من السلوكات إلى ما يجب أن يحصل. أي لن نصف سلوكا موجودا بل يجب أن نشرّع لسلوك يجب أن يوجد. فليس أمامنا إلاّ أن نشرّع للسلوك الحضاري

إن تلبية حاجيات الفرد الضرورية التي تسمح له بـأن يكون فعّالا في المجتمع، وإحترامه كإنسان إحتراما يجعله مبدعا، هما أساسا السلوك الحضاري إذا لم يحصل ذلك فلن ينفع الوعظ والإرشاد مع الحرمان و الظلم و السيطرة



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)