الجزائر - A la une

في الذكرى 34 لوفاة الرئيس هوار ي بومدين/ وقفات في حياة زعيم جيل أول نوفمبر 54




في الذكرى 34 لوفاة الرئيس هوار ي بومدين/ وقفات في حياة زعيم جيل أول نوفمبر 54
طفولة جزائري إسمه بوخروبة
بومدين ابن فلاح بسيط من عائلة كبيرة العدد ومتواضعة ماديا , ولد سنة 1932 وبالضبط في 23 أوت في دوّار بني عدي مقابل جبل هوارة على بعد بضعة كيلوميترات غرب مدينة قالمة , في صغره كان والده يحبه كثيرا ويدللُه رغم ظروفه المادية الصعبة، قررّ تعليمه و لهذا دخل الكتّاب – المدرسة القرآنية – في القرية التي ولد فيها , وكان عمره أنذاك 4 سنوات , وعندما بلغ سن السادسة دخل مدرسة "ألمابير" سنة 1938 في مدينة قالمة وبعد ثماني سنوات من الدراسة عاد الى قريته ،وطيلة هذه السنوات كان بومدين مشغول البال شارد الفكر لا يفعل ما يفعله الأطفال , لكنّه كان دائما مبتسم وخفيف الروح رغم المحن التي قاساها منذ صغره، لقد كان بومدين يدرس في المدرسة الفرنسية وفي نفس الوقت يلازم الكتّاب من طلوع الفجر الى الساعة السابعة والنصف صباحا , ثمّ يذهب في الساعة الثامنة الى المدرسة الفرنسية الى غاية الساعة الرابعة وبعدها يتوجّه الى الكتّاب مجددا ، وفي سنة 1948 ختم القرآن الكريم وأصبح يدرّس أبناء قريته القرآن الكريم واللغة العربية , وفي سنة 1949 ترك أهله مجددا وتوجه الى المدرسة الكتانية في مدينة قسنطينة الواقعة في الشرق الجزائري , وكان نظام المدرسة داخليّا وكان الطلبة يقومون بأعباء الطبخ والتنظيف لكنه تمكّن من الهرب هو و رفاقه براً نحو تونس ثمّ إلى مصر عبر الأراضي الليبية.
رجل صنعته الثورة
كان مؤمنا في قرارة نفسه بأنه لا يمكن الالتحاق بجيش العدو بعدما تمّ استدعاؤه للالتحاق بالجيش الفرنسي ولذلك رأى أنّ المخرج هو في الفرار والسفر, فإتجه إلى تونس ثمّ الى مصر,وفي مصر التحق وصديقه "بن شيروف" بالأزهر الشريف , وقسّم وقته بين الدراسة والنضال السياسي حيث كان منخرطا في حزب الشعب الجزائري , كما كان يعمل ضمن مكتب المغرب العربي الكبير سنة 1950 , وهذا المكتب أسسّه زعماء جزائريون ومغاربة وتونسيون تعاهدوا فيما بينهم على محاربة فرنسا وأن لا يضعوا السلاح حتى تحرير الشمال الافريقي , ومن مؤسسي هذا المكتب "علال الفاسي" من المغرب و"صالح بن يوسف" من تونس و"أحمد بن بلة" و"أيت أحمد" من الجزائر وكان هذا المكتب يُهيكل طلبة المغرب العربي الذين يدرسون في الخارج . وقد أرسل مكتب المغرب العربي "هواري بومدين" الى بغداد ليدرس في الكلية الحربية وكان الأول في دفعته، وعندما تبيّن للسلطات الفرنسية أن المدعو محمد بوخروبة –هواري بومدين – فرّ من خدمة العلم قامت بحملة بحث عنه أنهكت والده بالبحث والتفتيش والاستدعاءات وتحت وطأة الضغط اعترف والد بومدين بالأمر وأعترف أن ابنه سافر للدراسة في مصر وحصلت السلطات الفرنسية على عنوان بومدين من أبيه وقامت السلطات الفرنسية بارسال مذكرة بهذا الخصوص الى السفارة الفرنسية في القاهرة، وكان الملك فاروق هو صاحب السلطة أنذاك في مصر وتقرر طرد بومدين من مصر واعادته الى الجزائر ، لكن ثورة الضباط الأحرار أنقذت هواري بومدين و انتصارها جعل بومدين يبقى في مصر .
في سنة 1955 فتح ملف هواري بومدين مجددا , وأدركت السلطات الفرنسية أن هواري بومدين خطر على الأمن القومي الفرنسي.
هذا الرصيد الذي كان لهواري بومدين خولّه أن يحتل موقعا متقدما في جيش التحرير الوطني وتدرجّ في رتب الجيش الى أن أصبح قائدا للأركان ثمّ وزيرا للدفاع في حكومة أحمد بن بلّة رحمه الله ثمّ ثاني رئيس للدولة الجزائرية.
بومدين و أهمّ مواقفه مع جزائر الإستقلال
وقفات لرجل عظيم وطني حتى النخاع خدم وطنه و شعبه إلى آخر رمق بنى و شيّد جزائر ما بعد الإستقلال مثلما شارك في تحريرها من الظلم و الاستعباد كان يقول و يفعل و يأمُر فيُطاع، رجل صنعته الظروف الصعبة فأبى إلاّ أن يعيش شعبه حياة السعادة، إعتنى بالفلاح و العامل كما اعتنى بالطالب المثقف و الرياضي و لم يترك ميداناً إلاّ وأعطاهُ حقّه.
- عندما كان وزيراً للدفاع (62/65) تصدى لكلّ فوضى و تهريج حتى كاد المواطن أن ينسى فرحة الإستقلال فكانت انتفاضة 19 جوان 1965 و عندما فكّر في الإنقلاب العسكري على أحمد بن بلّة رحمه الله لم يستشر لا السوفيات و لا أمريكا و لم يطلب العون من أحد لقد كان الإنقلاب جزائري لأنّ القضية داخلية بين الجزائريين.
- القرار التاريخي المتمثل في تأميم المحروقات و كيف أصبح البترول و الغاز ملكاً للجزائر، و هذا كلّه بعد أن قام بتأميم المناجم عام 1966 ثمّ تأمين البنوك سنة 1973 بعد عملية إحصاء الأراضي العمومية الشاغرة سنة 1972.
أثناء مراسيم جنازة الملك فيصل - 1975
- بناء القرى الإشتراكية المتوفرة على كلّ المرافق الإجتماعية الضرورية، المسجد، المدرسة و المستوصف و تزويدها بالغاز و الكهرباء و الماء و إجبارية التربية و التعليم و مجانيته.
- لقد سارع بومدين إلى تشييد المؤسسات و نزل إلى الريف ليعيد للفلاحين الأرض و الحقوق و يقضي على نظام " الخمّاسة" و شيّد المصانع و ربط الجزائر بإفريقيا عبر طريق الوحدة الإفريقية فهو القائل " الجزائر قررت أن تخوض المعركة لأنّ بترولها أحمر .. أحمر مثل دمّ شهدائها" و هو الذي كان يُصيب و يخطأ و شديد التعلق بقضايا الشعب و لم يتأخر في رفع رأس الكادحين من أبناء الجزائر.
- أوّل رئيس يتفقد القوات العسكرية المسلحة قبل طلوع الشمس.
- بومدين لم ينسى الرياضة أيضاً ففي 76 أصدر قانون الإصلاح الرياضي ليُبعد الرياضة عن كلّ المشاكل الداخلية فهو رياضي و كان دائما يريد أن تنتصر الجزائر و يرفرف علمها عالياً.
- إعتبر بومدين قضية فلسطين هي الإسمنت المسلح الذي يوّحد الأمة العربية و مقولته الشهيرة دليل على ذلك " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" و هكذا كانت مواقفه دائماً تدلّ على أنّه رجل قوي قوة ثورة شعبه ففي حرب 67 كان مع جمال عبد الناصر بالعدّة و العدد و نفس الشيئ كان في حرب 73.
من قتل الرئيس الراحل هواري بومدين؟؟
كانت الساعة تشير الى الثالثة و خمسة و خمسين دقيقة من يوم الاربعاء 27 ديسمبر لعام 1978 بمستشفى مصطفى حيث كان يُعالج، لفظ الرئيس هواري بومدين انفاسه الأخيرة وانتقل الى رحمة الله .. رحل الرئيس القائد ذلك الرجل الذي خاض معركة التأميمات و استرجاع الثروات الطبيعية و أفنى عمره في مقاومة قوى الشرّ و الطغيان .. رحل و بكتهُ الملايين من المواطنيين و قال الكثيرون آنذاك " لئن مات بومدين و اصطفاه العلي القدير الى جواره فإنه لم يمُت في وجداننا .. فهو موجود فوق كلّ شبر من هذه الأرض الطيبة.. هو حاضر في كلّ مكان، في كلّ مزرعة و في كلّ مصنع تتحرك دواليبه ... و هو موجود في كلّ كلمة حق تُقال لنصرة شعب سُلبت حريته ..."
هكذا مات بومدين.. دُفن و دفنت معه أسرار كثيرة و تساؤلات عديدة حول تلك الإشاعات و تلك الأقاويل التي ازدحمت و برزت في الشارع الجزائري منهم من تساءل متى مات بومدين؟ و قال آخرون بومدين قتل لكنهم تساءلوا كيف تمّ ذلك؟ بينما صدّق البعض الآخر ما أذاعتهُ أجهزة الإعلام بأنّ بومدين مات نتيجة مرضٍ عجز الأطباء عن تحديد طبيعته و علاجه .. و خيّم الصمت الرهيب بعدها و مرّت الأيام و السنوات و إسم بومدين لا يتردّد على الألسنة لكنّه راسخ في الذاكرة ..
عادت الصحافة من بعد لتُسيل الحبر الكثير على صفحات مختلف الجرائد و المجلات لإثارة قضايا كثيرة و مختلفة متعلقة بالراحل هواري بومدين و لعلّ من أهم القضايا مسألة وفاته الحقيقة التي باتت تستقطب اهتمام الكثيرين بغية الوصول إلى اليقين..
و لعلّ من بين المجلات التي إهتمت كثيراً بالرئيس الراحل هواري بومدين و خصّصت له ملفات متعلقة بحياته و كانت حاضرة في كلّ ذكرى مرّت على وفاته آلا و هي "مجلة الوحدة" التي نشرت في العدد 600 من 24 إلى 30 ديسمبر 1992 وجهات نظر حول مسألة قتل هواري بومدين لكل من "عبد السلام بلعيد" رئيس الحكومة الأسبق والذي كان من أقرب مساعدي هواري بومدين و من أبرز الشخصيات السياسية آنذاك و "قاصدي مرباح" الذي كان له مشوار ليس بالقصير رفقة الرئيس الراحل بومدين و شهادة ثلاثة أساتذة جزائريين كانوا يعالجون بومدين و هو على فراش الموت بمستشفى مصطفى الجامعي حاولنا تلخيصها في الآتي:
عبد السلام بلعيد .. موت بومدين اللغز الكبير الذي بقي يحيرني
الإشارة الأولى يقول بلعيد " .. قبل وفاته رحمة الله تبين بأن موته كانت مسألة مرغوبة فيها من طرف بعض الاوساط الأجنبية فأتناء مرضه كانت لي مقابلة معه وكان التعب باديا عليه أطلعني خلالها على مشروع ملاقاة بينه وبين ملك المغرب وسألني عن رأيي حول إجراء هذا اللقاء أم لا، لأنه كان متعودا على إستشارة من حوله في بعض المسائل وقلت له من الأحسن تأجيل موعد اللقاء حتى يتضح موقف النظام الجديد في موريتانيا آن ذاك من قضية الصحراء الغربية بعد الإطاحة بولد دادة والموعد كان محدد في 08 سبتمبر 1978 ببروكسل و قال لي بومدين في تلك المقابلة أنّ ملك المغرب قد أخبره بأنه لو لم يتم اللقاء بينهما في هذا الموعد فإنهم قد تكون الفرصة الأخيرة و لا يلتقيان أبداً، بعدها أُذيع رسمياً نبأ مرض بومدين و هو في موسكو للعلاج و في تلك الأثناء عقد الحسن الثاني ملك المغرب ندوة صحفية في الرباط قال فيها " قضية الصحراء العربية صنعها بومدين و بومدين انتهى اذن فالقضية انتهت .." ، و لمّا سمع بومدين بهذا القول تأثر كثيراً و غضب و قد صادف أنّ الرئيس التونسي بورقيبة بعث برقية أخوية يتمنى له فيها الشفاء ععلّق علىها بومدين قائلاً " ..ها أنتم ترون .. بورقيبة إبن الشعب و تصرّف كملك، و ملك المغرب إبن الأمراء و القصور و تصرّف كراعي .."
و الإشارة الثانية تتمثّل في أنّ بومدين ذكر في أحد المناسبات في آواخر سنة 1974 بأنّ معلومات وصلته تفيد بأنّ أمريكا عازمة على إغتياله و تخطط لتصفيته الجسدية و قد كان مصدر تلك المعلومات صحيحاً و موثوقاً فيه من دولة صديقة. و لمّا أجرينا تحريات – يقول بلعيد- حول معرفة السبب الذي يدفع بأمريكا الى تصفية بومدين و خرجنا بنتيجة أنّ هناك حقيقة خلافات لكنّها ليست بالقدر الذي يوصلها لتصفيته و ماهي إلا محاولات لتعكير العلاقات بين الدولتين لكن هناك وجهة نظر أخرى في في نفس السياق تقول أنّ هناك شخص واحد في الولايات المتحدة الأمريكية يبغض الجزائر و رئيسها هو " هنري كيسنجر" لأنّه كان يعتقد بأنّ بومدن هو الذي أفشل مخططه المتمثّل آنذاك فيما كان معروفاً بسياسة الخطوة- الخطوة في حل قضية الشرق الأوسط بعد سنة 1973.
و في قمة الرباط المنعقدة في أكتوبر 1974 طُرح مشكل من سيتولى التكلم بإسم فلسطين الملك حسين أم منظمة التحرير الفلسطينية و كان ملك المغرب من الناس الذين يدعمون موقف الملك حسين و في تلك الأثناء لم تكن العلاقات بين بومدين و ملك المغرب على أحسن ما يرام بسبب قضية الصحراء الغربية.
و في مقابلة بين بومدين و ملك المغرب -قبل موعد القمّة- جرت في قصر دار السلام بالرباط و طرح الحسن على بومدين المشكل و قال له " .. هذه القمة بين يديك.. إذا اردت أن تنجح هذه القمة فأنت الذي تُنجحها و إذا أردت أن تفشل فأنت كذلك الذي تُفشلها .." لأنّ أمريكا لن تقبل بموقف بومدين المتمثل في رفض أيّ وصاية على منظمة التحرير الفلسطينية.
قال له بومدين آنذاك " أنا لا أستطيع أن أقول بغير هذا الموقف و إذا كان لك رأي مغاير يتعيّن عليك أن تُقنع به الإخوة الفلسطينيين لا أن تُقنعني أنا.."
و الإشارة الثالثة تقول أنّ صحة الرئيس في آواخر ربيع 78 كانت جيّدة " كان بومدين لا بأس عليه" و يذكر أنّ بعض الزملاء من الجيش الوطني الشعبي أنهّ كان يتنقّل في ميدان القتال في مناورة عسكرية بحيوية لم يعهدوها فيه.و يقول الشاذلي بن جديد رحمه الله لعبد السلام بلعيد أنّ بومدين أطلعه في حياته عن احتمال موته المفاجئ حيث قال له بالحرف الواحد " ردّ بالك ممكن يصرى لي شيئ ، نوصّيكم على الثورة "
قاصدي مرباح ..كلام الحسن الثاني ملك المغرب له معنى مغاير تماماً
قال الإشاعة حول حقيقة موت الراحل هواري بومدين ظهرت مع صدور كتاب ( الصدفة و التاريخ) لمؤلفه بلعيد عبد السلام و يذكر مضيفا يجب أن نتذكر أنّ الرئيس بومدين كان مريضاً منذ عدّة شهور و لكنّه كان يعمل المستحيل إخفاء مرضه ثمّ إنّ الأخصائيين السوفيات الذين تابعوه مدّة 25 يوماً لم يكتشفوا أيّ شيئ غير عادي في مرضه.
و يرى أنّ كلام الحسن الثاني المتمثل في " إذا لم نلتقي هذه المرّة سوف لن نلتقي أبداً .." له معنى مغاير تماماً لانّ الرئيس الراحل هواري بومدين كان يريد معرفة ما إذا كانت هذه الجملة تُفهم على هذا المعنى أم لها مدلول سياسي محض هو تهديد من طرف الملك حسن الثاني.
ثلاثة من الأطباء الجزائريين عالجوا الرئيس .. وفاة هواري بومدين طبيعية
و من وجهة نظر أخرى أكدّ "فالدنشتروم" الأخصائي السوفياتي الشهير و أساتذة جزائريون أنّ المرض الذي أودى بحياة الرئيس الراحل هواري بومدين هو داء فالدنشتروم الذي يحمل اسم الأخصائي السوفياتي.
و ذكر أستاذ جزائري اختصاصي كان يعالج بومدين أنّ المدة الزمنية التي كان يتردّد فيها على الرئيس الراحل بمستشفى مصطفى الجامعي منذ أول و ثاني يوم من رجوعه إلى أرض الوطن قادماً من الإتحاد لم يكن قد تمّ تشخيص الداء بعد بالدقة المطلوبة من قبل الفريق الطبّي الروسي و التشخيص لم يتم إلا بالجزائر و من قبل أطباء جزائريون.
و يذكر أستاذ آخر في وصفه لهذا الداء بأنّه مرض عادي قد يُصاب به أيّ انسان بعد بلوغه سنّ الخمسين لكنّه في نفس الوقت مرضٌ خطير يتصّل بالدمّ مثل بعض أنواع سرطان الدم و –قال- بالنسبة للرئيس الراحل كانت اصابته بهذا الداء اصابة خطيرة و عميقة على عكس ماهي العادات في حالات الاصابة عند أشخاص آحرين و يضيف أنّ داء فالدنشتروم يصيب الجهاز العصبي بالدرجة الأولى و قد سبّب للرئيس نزيفاً حاداً في المخ أدخلهُ في غيبوبة عميقة دانت حوالي أربعين يوماً الى أن وافاه الأجل. و أضاف أنهّ يشهد بأنّه شاهد الرئيس حيّاً في حالة غيبوبة بعد زوال يوم 26 ديسمبر 1978 في حدود الساعة الخامسة و النصف صباحاً.
و يقول أستاذ ثالث آخر مختص بأنّ النزيف الدموي الحاد الذي حدث لهواري بومدين على مستوى المخ قد وقع له في أوّل ليلة تلت اليوم الذي وصل فيه إلى الإتحاد السوفياتي و من ثمّ تدهورت حالته إلى أن دخل في غيبوبة عميقة.
و كلّ هؤلاء الأساتذة يجتمعون أنهّ يستحيل نقل داء فالدنشتروم إلى جسم سليم بأيّ طريقة كانت و هذا رأي ينفي كل ماهو مُشاع عن تعرض بومدين للإصابة بأشعّة معينة نقلت له المرض بل الوفاة كانت جدّ طبيعية.
مقتطفات من أهم الحوارات التي أجريت مع الرئيس الراحل هواري بومدين مناضلاً و مسؤولاً
بومدين هذا المثقف الجزائري الذي نبع من أعماق الريف الجزائري و امتزج مع الحركة الثورية في الوطن و المهجر و ظلّ بلا انقطاع يتصاعد مع الثورة و تتصاعد به من مجرد جندي بسيط إلى قائد ولاية إلى مؤسس لجيش التحرير إلى القوة المحركة الرئيسية لأحداث قبيل الإستقلال إلى وزير للدفاع إلى رئيس للدولة و في كلّ الأحوال بقى في جوهره المناضل القوي إبن الفاتح من نوفمبر الذي حصّن حياته العامة و الخاصة ضدّ مغريات السلطة في بلد إسمه الجزائر.
و في ما يلي بعض المقتطفات من حوارات أجراها الكاتب "لطفي الخولي" مع الرئيس الراحل "هواري بومدين" و جمعها في كتاب بعنوان "حوار مع بومدين عن الثورة في الثورة و بالثورة"
لطفي الخولي: أنتم شعب انتزع استقلاله بثورة مسلحة بطولية و أعلنتم بعد قيام السلطة المركزية في الجزائر الجديدة و أقمتم حزبا ثوريا طليعيا عقد مؤتمره القومي الأول في أفريل 1964 انتخب احمد بن بلة أمينا عاماً و لجنة مركزية و مكتباً سياسياً و عدد غير يسير من أعضاء مجلس الثورة و بالتالي حزب بهذا الشكل و المضمون و المنهاج و الأجهزة القيادية هو الذي يملك السلطة العليا في البلاد و له حق التوجيه و الإشراف و المحاسبة و من المفروض كل ما يقع من خلافات تناقش و تحسم من خلال الحزب و أجهزته القيادية بطريقة ديمقراطية .. و من هنا فإنّ المرء يتساءل عمّا اذا كان واجباً أن تناقش كل الخلافات التي كانت بينكم و بين بن بلة و كذلك الأخطاء المنسوبة إليه كرئيس للجمهورية أو للحكومة داخل الحزب بإعتباره الأمين العام المسؤول فتحلّ و تحسم المسؤوليات و الجزاءات عن طريق الحزب أولاً و أخيراً .. لماذا إذن ابتعدتم عن سلوك هذا الطريق و لجأتم إلى طريق القوة المسلحة التي أخذت شكل الإنقلاب في 19 جوان 1965؟؟
هواري بومدين: .. هذا فعلا سؤال في محله تماما.. و لكن الإجابة عليه تتصل أولا و أخيراً بوجود الحزب نفسه .. أليس كذلك؟ فهل كان الحزب موجود؟ بكل أسف لم يكن له وجود إلا على الورق و في اللافتات المعلقة على المباني و لا شيئ آخر .. و للأسف هناك من يتصور و خاصة في الخارج أنّه يكفي أن يكون لديك برنامجا و لائحة حزبية و قواعد تنظيمية و كتيبات محشوة بكلمات ثورية الرنين و حديث برّاق عن الحزب و سيادته فيصبح الحزب حقيقة واقعة .. إنّ بن بلة لم يكن يريد للجزائر جزائر المناضلين أن تبني حزبها الثوري الطليعي بناءا بشريا متحركا و فعالا ..لماذا؟ لأنّ الوجود الفعلي و الحقيقي لهذا الحزب كان من شأنه أن يقيّد حركاته الإرتجالية ، و يشلّ أساليب المناورات .. يُحاسب و يوجه و ينتقد السلطة من قاعدتها حتى قمتها و بن بلة كان بطبيعة تكوينه يقاوم كل قيد و كل حساب و كل نقد ليستثار كفرد واحد بكل السلطة .. كان يخاطب الناس قائلا " جئتكم برسالة مقدسة" و الرسالة لا تناقش و صاحب الرسالة لا يحاسب و لا يخطئ و لذلك هو غير قابل للنقد و لم يرد أن يفهم أنّ زمن الرسالات المقدسة قد انتهى و ولى ..
".. كيف يمكن ان نسلك طريق الحزب و هو طريق لا وجود له ؟ إنك كمن تطلب منّا السير بمصير الجزائر في متاهات مظلمة من نوع بيت جحا الذي تحكي عنه أساطير أدبنا العربي .. و مع ذلك فإنّ بن بلة هو الذي رفض أن نشقّ للحزب طريقا في حياتنا و علاقاتنا الاجتماعية و السياسية .. "
" .. لم يكن أمامنا من أسلوب للحركة غير أسلوب 19 جوان - هناك من وصفه إما بسوء نيّة او بحسن نيّة نتيجة الجهل بظروف الجزائر و جيشها- بأنه انقلاب عسكري لمجرد نزول عدد قليل من الدبابات لمدّة لا تزيد عن 24 ساعة .. أما نحن فنقول أنّه أسلوب الشرعية الثورية مارسه المناظلون لإنقاذ ثورتهم من الإنحراف و الجمود و أمراض عبادة الفرد التي استحكمت في بن بلة .."
لطفي الخولي: ان بن بلة لم يحكم وحده بل كان يشاركه آخرون في المسؤولية سواء على مستوى الدولة أو او على مستوى الحزب فأنت مثلا كنت عضوا بالمكتب السياسي و كنت نائبا ل بن بلة كرئيس للحكومة و وزيراص للدفاع و كذلك الحال بالنسبة ل بوتفليقة وزير الخارجية و عضو المكتب السياسي و الطاهر الزبيري رئيس أركان حرب الجيش و عضو المكتب السياسي و بو معزة وزير الإقتصاد و عضو المكتب السياسي و غيرهم .. فإذا ما نسبت اليوم أخطاء ل بن بلة فما هو مدى مسؤولياتكم أنتم أيضا عن هذه الأخطاء؟ ألم تشاركوه الحكم و المسؤولية ؟ و لماذا لم تكاشفوه بها في حينها و تقاوموها أو تصلحوها قبل أن تصل إلى درجة الأزمة ؟
هواري بومدين: بن بلة كنّا نصارحه بكلّ شيئ و بكلّ وضوح و لكنّه لم يبادلنا هذه الصراحة بمثلها قط .. طبعا استغرق هذا وقتا لنكتشف أنّ المسألة خارجة من دائرة السهو غير المتعمد و حسن النية- كما كنّا نقول لأنفسنا- و داخلة في دائرة الإغفال التعمد و سوء النيّة .. كان دائما يخفي الأخطاء و النواقص و يزوّق لنا الوضع على غير الواقع و يصادر كلّ نقد يوجه إلى خطأ يكتشف في أي ناحية من النواحي في المجتمع أو الدولة و يخلق من خلال ذلك كلّ أنواع الشك و الريبة بين المناضلين ..و هناك أمثلة عديدة مثلا قضية الشهيد شعباني الذي أعدم بعد محاكمة بتهمة التمرد العسكري في أواخر عام 1964 و الحقيقة أنّ بن لاة هو الذي دفع بأسلوبه الأخ شعباني إلى هذه النتيجة المؤسفة .. إلى الموت ..لقد ظلّ بن بلة طوال عام كامل و هم يحرّض شعباني شعباني على التمرّد ضدّ نظام الجيش و وحدته العضوية و كان شعباني مستنداً الى تحريض بن بلة يتحرّك ضدّ وحدة الجيش الشعبي الوطني بما اعتقده أنّه صواب .. ولقد تحدثت كمسؤول عن الجيش مع بن بلة أكثر من مرة في هذا الموضوع بشدّة و حسم و أوضحت له خطورة هذه اللعبة لأنّ الجيش إذا أصابته جرثومة الإنقسامات و المعسكرات و الاختلافات فلا مفر من أن (يتكلّم البارود) لا مفرّ أن (يتكلم البارود) و يدمّر الإخوان بعضهم بعضا و لا يستفيد من هذا إلا العدو الإستعماري و الرجعي .. قلت له أرجوا ملحاص أن تفوّضني كمسؤول بحث قضية شعباني قبل أن يستفحل خطرها دعني أحدّثه مناضلا لمناضل بصراحة في مشاكله و أسوّيها معه و أنا على ثقة من أنّه سيقتنع بوحدة الجيش الوطني و يحميها لأنّه في النهاية مناضل مخلص و شعاع و لكن بن بلة أبى ذلك و أكدّ أنه سيقوم بنفسه بحل القضية .. و كان يدعوا شعباني إلى "فيلا جولي"بحجة تسوية الموضوع و لكنّه في الحقيقة كان يزيد من حفرة الهوة التي فتحها بين شعباني و الجيش من جهة و بينه و بيني كوزير للدفاع من ناحية أخرى ، و فجاة خرج علينا بن بلة أنّه سيحلّ مشكل شعباني بتعيينه هو الطاهر زبيري و انا أعضاء في المكتب السياسي للحزب مسؤولين عن الجيش و بذلك تكون قيادية ثلاثية .. و لقد اعتقد بن بلة أنّي سأعارض هذا الإقتراح فيتخذ من هذا ذريعة ليثبت لشعباني و لزبيري أيضا أنّي ضدهما و لكنيّ كنت الحمد لله واعياً للأمر واثقا من الروح النضالية للأخوين و انّ الزمن وحده كفيل بتبديد الشكوك الوهمية المزروعة على غير أساس بيننا و لهذا لم أعارض الإقتراح و إن بيّنت و سجلت خطورة بذر الفوضى في الجيش ... و هكذا و ما إن أصبح شعباني عضوا بالمكتب السياسي حتى طلب إليه أن يتنحى عن قيادته في المنطقة الصحراوية لأنّه من غير المعقول أن يجمع بين المنصبين .. هنا أفاق شعباني الى الخديعة و لكنّه للأسف أقدم عصبياً على تصرف خاطئ فرفض طلب التنحي و عاد إلى منطقة الصحراء و قام بتمرده العسكري ضد الدولة و الجيش، و لمّا كان هذا سابقة خطيرة فقد قام الجيش -بناءا على تكليف صريح و رسمي من بن لاة كرئيس للجمهورية و قائداً أعلى للجيش- بإعتقال شعباني و محاكمته على تمرده و صدر الحكم بالإعدام ، و نفّذ الحكم بعد أن رفض بن بلة بشدّة توصية بالعفو عنه أو تخفيف الحكم إلى السجن تقديراً لماضيه في حرب التحرير ...
لطفي الخولي: بن بلّة قال أنّ إعدام شعباني قد تمّ على الرغم بسبب ثبوت علاقات و مباحثات بينه و بين الفرنسيين على فصل منطقة الصحراء عن الجمهورية الجزائرية ما قولك؟
هواري بومدين: .. هذا غير صحيح غير صحيح على الإطلاق و المؤسف في بن بلة أنّه كان يقيم سياسته دائماً على المناورة و المناورة بطبيعتها تستلزم الكذب و تشويه الحقائق أو اخفائها .. لقد قال أيضا هنا و هناك أنّني أنا الذي اصررت على اعدام شعباني و أنّه اضطرّ أمام هذا الإصرار الى التصديق على حكم الإعدام و تنفيذه .. و الحمد لله أنّ الغخوان أعضاء المحكمة العسكرية التي حاكمت شعباني مازالوا أحياء يرزقون و وثيقة الحكم محفوظة باقية.. لقد قال القضاة في حكمهم أنّ تهمة التمرّد العسكري ثابتة على شعباني و هي تهمة خطيرة لا يملكون أمام القانون إلاّ الحكم بالإعدام .. و لكنّهم تقديرا لتاريخ شعباني البطولي خلال حرب التحرير يرفعون الحكم إلى رئيس الجمهورية بأمل و رجاء أن يستخدم حقّه في العفو أو تخفيف الحكم و لكن رئيس الجمهورية بن بلة رفض هذا الرجاء و امر بتنفيذ الحكم و فقدت الجزائر أحد أبطالها المناظلين .. أخطأ شعباني حقاً و لكنّه لم يكُن يستحقّ الموت رحمه الله..."
لطفي الخولي: ألاحظ أنكم تستخدمون اصطلاحين في الحديث اصطلاح "المناضل" و اصطلاح "المواطن" لماذا؟ و هل تقصدون فعلا التمييز بين الاصطلاحين ؟
هواري بومدين: .. طبعا نحن نميّز بحسم و وضوح بين المناضل و المواطن ففي رأينا ليس كلّ مواطن مناظلا .. إنّ المواطن هو كلّ ابن من أبناء الجزائر يعيش على أرضها و يرتبط مصيريا و روحياً بها ، و يستظلّ بها و يحترم قوانينها و على الجزائر بالتالي أن توفّر له الأمن و لقمة العيش الكريمة الحرّة .. و لكنّ المناضل الذي نعنيه هو ذلك المواطن الذي لا يقف دوره عند هذه الحدود و إنما هو يلتزم بالعمل من أجل تحويل البلاد سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا نحو الإشتراكية ، حيث لا فوارق طبقية بين و لا إستغلال و يؤمن بالمبادئ الإشتراكية و بضرورة و حتمية تطبيقها في المجتمع الجزائري و يكافح يومياً و في جميع المجالات لهذا الغرض مقدماً من أجل ذلك أغلى التضحيات حتى حياته و يُمارس هذا كلّه من خلال الترابط الجماعي و المسؤول مع غيره من المناضلين في الحزب الطليعي لجبهة التحرير..
لطفي الخولي: لماذا لا تبتسم للمصورين أو في الأماكن العامة، و تفضّل بإستمرار أن تبدو على صورتك القاسية الملامح؟
هواري بومدين: ... هذا سؤال سألته لنفسي و لكنّي لم أصل لسرّه .. إذا اكتشفته يوماً ستُفرج و أتعلم الابتسامة الدائمة في كلّ المناسبات و لكن سوف يفقد بعض هواة التحليل من اخواننا الكتاب و الصحفيين وقتها مادة للحديث عن بومدين العابس .. بومدين اللغز .. بومدين الذي لا يعرف البسمة في حياته .. شيئ مثير حتى لبومدين نفسه..
و قال : .. كيف بالله ابتسم لمجرد أنّ مصوراً يُتعب نفسه و يلتقط لي صورة .. ما معنى الإبتسام إذا كانت القضايا المعروضة هامة و ليست نكتا و فكاهات، لقد تربينا في جيش التحرير على معاداة الإفتعال و الزيف و عرض النفس أو التباهي بها.. فلا أحد منّا خاض الحرب بإسمه الحقيقي و ذلك حتى لا ينتفخ بالغرور عندما ترتبط التضحيات و الأعمال بإسمه أو شخصه فيقع أسيراً مقيداً في سجن الشهرة و حبّ الذات و لا يجيد شيئاً سوى الابتسام المفتعل للمعجبين و المعجبات...
"..و الصورة التي رسمتها الصحافة و خاصة الغربية لبومدين كإنسان صورة غير حقيقة أنّني لا أبتسم في حياتي بل أقهقه عاليا و لست باللغز بل انسانا واضحاً و بسيطاً كلّ ما في الأمر أني لا أفتح الباب كثيراً للصحفيين.."
المرحوم الرئيس بومدين رجل سجيع وسرم وعندجو مواقف اللة يرحمو
محمد اعوا يجية - متقاعد - بوفاريك - الجزائر

17/05/2013 - 95792

Commentaires

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)